إلى
رحمة الله
2 –
وفاةُ حرم الرئيس السابق للجامعة فضيلة الشيخ مرغوب الرحمن رحمه الله
بقلم: رئيس
التحرير
في الساعة الواحدة والنصف من يوم
الثلاثاء: 19/شعبان 1433هـ الموافق 10/يوليو 2012م انتقلت إلى رحمة الله تعالى
حرمُ فضيلة الشيخ مرغوب الرحمن رحمه الله (1332-1432هـ = 1914-2010م) الرئيس
السابق للجامعة الإسلامية دارالعلوم/ديوبند في وطنها ومسقط رأسها بحي «قاضي باره»
بمدينة «بجنور» إحدى المديريات الغربية من ولاية «أترابراديش». وذلك عن عمر يناهز
93 عاماً، فإنّا لله وإنا إليه راجعون.
عاشتِ الفقيدة –
رحمها الله – معاناة طويلة مع المرض، وظلّت منذ سنوات طريحةَ الفراش، تصبر
وتحتسب، وتواصل ذكر الله، وتؤدّي العبادات كلّها. وتوفّرت أسرتُها وعلى رأسها
نجلها البار الشيخ أنوار الرحمن القاسمي عضو مجلس شورى الجامعة الإسلامية
دارالعلوم/ ديوبند، على توفير كل نوع من العناية الطبية لها رحمها الله، فشعرت
طَوَالَ حياتها بالسعادة رغم الأمراض التي ألّمت بها بعد تقدم السنّ؛ ولكن الأجل
إذا جاء لايُؤَخَّر؛ ففاضت نفسُها إلى بارئها في اليوم المذكور، وقد أقيمت الصلاةُ
عليها في الساعة العاشرة من الليلة المتخللة بين الثلاثاء والأربعاء: 19-20/شعبان
1433هـ = 10-11/يوليو 2012م، وأمّ الصلاةَ عليها فضيلة الشيخ السيد أرشد المدني
أحد كبار أساتذة الحديث بالجامعة الإسلامية دارالعلوم/ ديوبند، وحضرها وتشييع
جثمانها إلى مثواها الأخير مئات من خيرة العلماء والصالحين وأهالي مدينة «بجنور»
وذوي القربى والمحبين الذين حضروا من شتى الأمكنة القريبة والبعيدة، وعلى رأسهم
كثير من أساتذة الجامعة وعدد وجيه من الأسرة المدنية التي تربطها بأسرة الشيخ
مرغوب الرحمن رحمه الله آصرة المصاهرة.
عُرِفَتِ الفقيدة «شفيقه خاتون» بالصلاح
والتقوى والحرص البالغ على الذكر والعبادة والإنابة، كما كانت معروفة في الأوساط
النسوية الواسعة بالجود والسخاء على نطاق واسع، و بالحلم ولين الجانب ونعومة الخلق
وطيب المنطق والتعاون مع الكل باللطف والعطف ولاسيّما اليتامى والفقراء والأرامل
وذوات الحاجات من النساء، رغم أنها ولدت وفتحت عينيها على حياة البذخ وسعة الرزق،
ثم زُوِّجَت في أسرة تتمتع بالرخاء ورفاهية العيش، لأن أسرة والدها وأسرة زوجها
الشيخ مرغوب الرحمن كانتا متلاحمتين؛ لأن والدها محمد صديق الصديقي كان ابن اخت
الشيخ مشيئة الله -رحمه الله – والد زوجها الشيخ
مـرغوب الرحمن رحمه الله. والمرأةُ التي تولد وتشبّ وتعيش على حياة البذخ والرخاء
تكون في الأغلب زاهيةً ذاتَ إباء زائد لاترحم ذوي البؤس، ولا تَرِقّ لذوات الفقر والحاجة؛ ولكن السيدة «شفيقة» رحمها الله كانت تمتاز عن قريناتها بالعطف على ذوي البؤس والحاجة بصفة خاصة،
وكانت هذه الصفة رمزًا على شخصيتها، فكانت تنفق عليهم عن سخاء نفس بنحو لا تعلم
شمالها ما تنفق يمينها. كما كانت مِضْيَافاً، وقد عُرِفت أسرة زوجها وأبيها
بالتضييف والمبالغة في القري وإكرام الضيوف في المجتمع الإسلامي الواسع منذ قديم
الزمان، وعمّ صيتُها بهذا الشأن، وهي خصيصة كبرى حافظ عليها زوجُها العظيم الشيخ
مرغوب الرحمن الكبير القلب والسخي النفس والعفيف الذيل الذي شغل منصب «رئيس
الجامعة» للجامعة الإسلامية دارالعلوم/ ديوبند أكثر من ثلاثين عاماً، فلم يستفد من
أيّ شيء في الجامعة، فكان يسافر من وإلى بيته على نفقته، ويأكل من ماله، ولا يأكل
من مال الجامعة إلاّ بعد أداء الثمن، حتى كان يؤدي ثمن حبّة من البصل كان يستهلكها طالب يقوم بخدمته
اليوميّة على غير علم منه بذلك، وكان يؤدّي أجرة الغرفة الجامعيّة التي كان
يسكنها، وكان يضيّف كثيرًا من الضيوف الرسميين على نفقته وإن كانوا ضيوفاً على
الجامعة، فالسيدة «شفيقه» - رحمها الله –
كان الجود فيها طبعاً وتطبّعاً معاً، أي وُلِدَتْ عليه، ثم كسبته وتعلّمته من
زوجها، وجَرَّبته وتعاملت معه عبر حياتها. ونعمَ المالُ والرخاءُ وسعَةُ الرزق في
يد تنفقها في مكانها اللائق الذي يقضي حاجة الخلق ويُكْسِب صاحبَها رضا الله
تعالى.
مات الشيخ مرغوب الرحمن – رحمه الله – في الساعة
العاشرة من صباح يوم الأربعاء: غرة محرم 1432هـ الموافق 8/ديسمبر 2010م، فعاشت
السيدة شفيقه رحمها الله، بعد وفاة زوجها –
رحمه الله – عاماً كاملاً ونحو ثمانية شهور، وقد كانت تتأذى من ألم
فراقه لها في هذه السنّ الكبيرة التي يحتاج فيها الإنسان إلى من يشاركه الهموم
والآلام، ويقاسمه الشعورَ بالأذى الحاصل بالأمراض وقساوة الشيخوخة، ولا سيّما
الزوج والزوجة اللذان يعرف كل منهما الآخر من داخله وعمق مشاعره ما لايعرفه أحد
غيرهما، وقد وجدنا الشيخ مرغوب الرحمن أنه كلما كانت تلم به وعكة صحيّة جديدة، كان
يذكر الآلام التي تعانيها زوجته السيدة «شفيقة» رحمها الله من شيخوختها وعوارضها،
كأنه كان ينسى آلامَه بذكر آلامها؛ ولذلك لم تَحْيَ بعده رحمه الله طويلاً، وإنما
لَحِقَتْ به على عجل، وكأنها لم تحتمل الحزن العميق على فراقه لها.
رحمها الله، وغفر لها جميعَ ما يكون لها من
الزلات، وأدخلها جنة الفردوس مع زوجها العالم الصالح ومع النبيين والصديقين، وألهم
أهلَها وأسرتَها الصبرَ والسلوان. وقد خلفت –
رحمها الله – ابنها الأصغــر الشيخ أنوار الرحمن القاسمي الذي له ابنان
محمد وأحمد يتلقيان التعليم الديني، وثلاث بنات، كما خلفت ابناً وبنتاً لنجله
الأكبر ضياء الرحمن – رحمه الله – الذي توفي بمرض
السكري عام 1985م/ 1405هـ إلى جانب بنت لها ذات أولاد. وقد ولدت – رحمها الله –
عشرة أولاد، ولكنهم ظلّوا يموتون في أعمارهم المبكرة إلاّ الذين ذكرناهم.
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذو القعدة 1433 هـ = سبتمبر - أكتوبر
2012م ، العدد : 11 ، السنة : 36